في يوم من أيام العطلة المدرسية قرّر منير زيارة عمته في مدينة تونس فاستعدّ لهذه الزيارة و ذهب مع أمه إلى السوق فاشترى لعمته قارورة عطر و بعض الحلويات التي تمتاز بها مدينته كهدية لباقي أفراد الأسرة. و في المساء رتـّب ملابسه و وضعها في الحقيبة و كله شوق لطلوع شمس يوم الغد و في الصباح استيقظ باكرا و لبس ثيابه و تناول فطوره و قد غمرته فرحة عارمة للقاء عمته و في الموعد أخذ حقيبته و وضعها على ظهره ثم ودّع أبويه فرافقته أمه الى عتبة المنزل و ناولته ما يكفي من النقود لشراء ما يلزمه ثم أوصته قائلة :" حافظ على التذكرة و لا تنس حقيبة الأدباش عند النزول من القطار ، سوف تجد عمتك بانتظارك في المحطة بلغها سلامي" ثم قبلته و ضمته إليها ضما و جعلت تمسح شعره بكلتا يديها و بعد بضعة أمتار من منزله أبصر سيارة أجرة فطلب من صاحبها أن يوصله إلى محطة القطار و عند الوصول دخل المحطة و توجه الى شباك التذاكر فاقتطع تذكرة و ركب القطار و اختار لنفسه مكانا قرب النافذة ثم وضع حقيبته في الرف و بعد أن امتلأت المقاعد بالمسافرين انطلق القطار مصفـّرا .
أخرج الولد من جيبه هاتفه الجوّال و بدأ يشغل نفسه بما فيه من ألعاب و كان بين الفينة و الأخرى يتجاذب أطراف الحديث مع الرجل الذي يجلس بجانبه .و تارة يشغل نفسه بجمال المناظر الطبيعية التي يراها من خلال النافذة وهو يحلم بفرحة اللقاء بالأهل و الأحباب و مصافحة الوجوه التي اشتاق إليها طويلا .