في ظل الحياة الخانقة ، يحتاج الإنسان في كثير من الأحيان إلى بعض ما يزيل عنه الهموم و الأحزان و أفضل ما يزيل عن الإنسان هذه الشوائب و الأدران هو الاستمتاع بمناظر الطبيعة الخلابة و استنشاق الهواء النقيّ لذا قصدت الحديقة العموميّة للترفيه عن نفسي و نسيان متاعب الدّراسة و لأستمتع بخضرة أشجارها و جمال أزهارها و تناسق ألوانها مع زرقة سمائها و خضرة أرضها .كنت أتجوّل تارة و أجلس على مقعد في ركن ظليل تارة أخرى أمتّع بصري بالأزهار و الفراشات التي تحوم حولي و أمتّع كذلك سمعي بزقزقة العصافير. جُـــلت بنظري في نواحي الحديقة فوجدت الربيع قد كساها وشاحا مزركشا من أبيض ناصع و أصفر فاقع و أزرق صاف و أحمر قان و سائر الألوان التي تنهل منها العين و لا ترتوي . و أمّا الزهور فأخذت تتمايل مع النّسيم كأنّها تستحمّ بأشعّة الشمس المبتسمة بثغورها الحمراء و الزرقاء و البيضاء . لقد كانت تتعالى نحو السماء فيعبق الجو بروائحها الشذيّة و كنت أرى الطيور متنقلة من فنن إلى فنن صادحة مغرّدة فتقطع بذلك السّكون و تغمر الدنيا بالبهجة و السّرور.
و فجأة ، وقع بصري على ثلـّة من الأطفال يعذّبون قطّا شريدا مسكينا قد اغبرّ وجهه و ذبلت عيناه و وقف شعره من كثرة الخوف و ارتعش ذيله . ذاك يرميه بالحجارة و تلك تلمزه بالعصا و الآخر يقلـّد صوته. أسرعت إليهم و أنا أصيح في تشنّج و عصبيّة قائلا :
- لماذا تعذّبون هذا المسكين ؟ أليس كائنا حيا مثلكم. كان عليكم رعايته عوض ضربه ، إنّه يحسّ مثلما تحسّون...
فردّ الآخر ساخرا ضاحكا :
- وفّر نصيحتك لنفسك.
لم أستسلم بل عقّبت قائلا :
- أليس فيكم عاقل واحد يرأف بحال هذا الحيوان المسكين ؟ هل أنتم فعلا من أمّة رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه و سلّم ؟
بدا التّأثّر على الفتاة و طأطأت رأسها قائلة :
- الظاهر أننا قد أخطأنا ... لقد روى لي جدّي أنّ رسولنا الكريم كان يحبّ القطط و يستأنس بها و لا يزعجها مثلما فعلنا نحن.
أذعن الجميع لرأيها و أطرقوا صامتين ثم اعتذروا و انصرفوا
اقترب القطيط من رجلي و كان في اقترابه حذر و خوف و تردّد فأدركت أنّه شريد في حاجة إلى العناية و الرّعاية و الطّعام و الدفء . انحنيت ألاطفه فاستجاب . حملته بين يديّ عائدا الى المنزل و في طريقي رحت أحاوره
" ما أبهى سحر الرّبيع يا صديقي القط، حقا إنّ جميع الحواس قد تنغّمت به وإنّ القلم واللسان ليعجزان عن وصفه الكامل، ... إنّ لجمال الطبيعة ما يسلّي عن كل جمال.... هيا سأطعمك الآن ما لذّ وطاب ثم تستحمّ وتنام"