خرج أبي صبيحة اليوم لقضاء بعض الشّؤون وقد كان أنّ اليوم عيد ميلاده. ما إن ترك المنزل حتى اغتنمتُ الفرصة لإعداد هديّة أفاجئه بها عند عودته .
أخذت ورقة بيضاء وأقلاما ملوّنة وشرعت في كتابة رسالة له أشكره على مجهوده الذي قدّمه لي و حرصه على دراستي وسهره الليالي عندما كنت مريضة ، كتبت الرّسالة بعبارات حرصت أن تكون صادقة فدوّنت فيها "أبي أنت بطلي الخارق .. إنّك أب شجاع و رائع .يا ربّي احفظ لي أبي " و ما هي إلاّ بضع دقائق حتى انهيت كتابة ما أشعر به وقد كان يملأ نفسي شوق كبير لرؤية ردة فعل والدي .
حملت الرّسالة وعطّرتها ثم وضعتها على الطّاولة في الغرفة. بعد ذلك شرعت في تعليق الأشرطة المزركشة في قاعة الجلوس. عندما فرغت من التزويق والتزين، ذهبت صوب الغرفة لأنظر ثانية فيما كتبت فهالني ما رأيت، لقد وجدت أخي الصّغير جالسا على الطّاولة وقد ملأ الورقة بالألوان. فصحت بصوت عالي وقد برزت عروقي كأشجار الخريف:» يا إلهي، يال المصيبة.. ماذا فعلتَ أيّها المشاكس الصّغير؟». وعندما رآني أخي المسكين متجهة نحوه أحسّ بالذّعر واحمرّ وجهه ونزلت من عينيه العسليّتين دموع أحرّ من الجمر وكاد يقع من فوق الطّاولة وبدأ يتمتم بكلمات مبهمة ويترجّاني أن أعفو عنه.
صمتّ وأطرقت رأسي وأدركت فداحة الخوف الذي سبّبته لأخي فرقّ قلبي له وحضنته وهمست له:" سنعيد كتابتها معا من جديد". وعلى الفور أحضرت ورقة وقلما ودوّنت رسالة أخرى أجمل من الأولى وما كدت أنهي كتابة كلماتي حتّى انفتح الباب. إنّه أبي الحنون، دخل بخطوات بطيئة و علامات الدّهشة و الانبهار بما رأى بادية على وجهه ولا تسل عن عظيم فرحته حين قرأ الرّسالة فاحتضننا وقبّلنا.