أسدل الليل ستاره و غطّ جميع الأنام ( الناس) في نوم عميق، ساد السكون و هدأت الحركة في المنزل. بغتة أخذ الرضيع في الصياح دون توقّف . هرعت الأمّ فزعة من نومها لا تلوي على شيء و حملته بين أحضانها وهدهدته و لكن دون جدوى . ارتابت الأمّ الرؤوم في الأمر و داخلها الشكّ فليس من عادة الصغير أن يلحّ في البكاء بهذه الطريقة . وضعت كفّها على جبين رضيعها فوجدته ساخنا . ذعرت و تسارعت دقّات قلبها خوفا على فلذة كبدها ثم تمالكت أعصابها و قرّرت استدعاء الطبيب على جناح السرعة .
… نظرت إلى الساعة الحائطيّة وبدا لها الانتظار طويلا ومُملاّ و راحت تفكّر في حلّ لتخفيض حرارة ابنها. قدّمت له كأسا من مغلى البسباس ثم رشّت الصغير بماء العطرشاء و بعد ان استعملت جميع ما في جعاب خبرتها من أدويّة و بعد أن باءت محاولاتها بالفشل الذّريع ضمّت صغيرها الى صدرها و قبّلته و انتظرت .
فجأة ، سمعت قرعا بالباب و دخل زوجها يتقدّمه رجل أبيض الشعر ، يحمل حقيبة في يده ، إنّه الطبيب . تهلّل وجه الأم و أحسّت بالارتياح .كان الطّبيب بشوش الوجه لطيف الكلام . دنا الحكيم من العليل وفحصه فحصا دقيقا فكشف عن صدره و تسمّع إلى دقّات قلبه بالسّاعة وجسّ نبضه وقاس حرارة جسمه بالمحرار ونظر إلى حلقه وأذنيه وبعد التشخيص حرّر وصفة الدّواء وطمأن الأمّ على حال صغيرها ثمّ انصرف متمنّيا للرّضيع السّقيم الشّفاء العاجل .
قصد الأب صيدليّة الليل واقتنى الدّواء اللازم ولمّا عاد جرّعت الأمّ صغيرها ملعقة من المشروب و دهنت صدره وظهره بمرهم فخفّف آلامه وانخفضت حرارته ونام قرير العين .
حمدت الأم الله و شكرته على سلامة صغيرها و قرّرت أن تُولي ابنها مزيد العناية و الرعاية حتى لا يصاب الطفل بوعكة صحية أخرى.