كان الصّباح البهيج مُشرقا، الشّمس الدّافئة ترسل خصلاتها الذّهبية اللاّمعة فتنير بالبهجة و السّماء صافية بريئة،
كانت الغابة تضمّ مزيجا من الألوان و الروائح المتناغمة و المتنافرة في نفس الوقـــــــــــــــــــــــــــــت و لكن أكثر ما شدّ انتباهي هو بحيرة تنبسط حولها روضة غنّاء، وكم كان ارتياحي كبيرا وأنا أتأمّل تلك الشّاشة المميّزة الثلاثيّة الأبعاد ! فقد كانت البحيرة تبدو للنّاظر لوحة فنّيّة رائعة، وصفحة الماء تتراءى مصقولة مثل سطح من الفضّة البرّاقة.
ثم عَلِق نظري بجمال المروج الخضراء الممتدّة بأعشابها النّاضرة وورودها اليانعة، و بروعة السّهول المنبسطة انبساطا يبعث في النفس السّرور ويجعلها تَهْفُو إلى أن تجوب أعطافها الواسعة التي تبهج العين بآيات فنّها، وتشفي الصّدر بهوائها العليل، وتبتهج الرّوح بنفحاتها الشّذيّة...
ظللت أسرح بين رياض الجنان الأرضيّة، حتّى إذا نال منّي التّعب و الإجهاد و كَــــــــلَّت رجلاي من التّجوال، أويت إلى ظلّ سنديانة شامخة لأرتاح قليلا. كانت أغصانها متشابكة، يمرّ بها النسّيم الفوّاح ُ، ويداعبها بأصابعه الخفيّة ، وتُسمعني من حفيف أوراقها وتغريد بلابلها أعذب معزوفة سمعتها منذ وقت طويل. لقد افتتنتُ بهذا المنظر البديع، واطمأنَّتْ نفسي إلى تلك الموسيقى العذبة، واستأنستُ بها أنسا عظيما، وكأنّها قد سافرتْ بي في عالم الخيال والحلم. لم أنتبه إلاّ أوّل المساء، والشّمسُ تتهادى محتجبة و راء خط الأفق، ولونها الأحمر المتوهّج المنعكس على البحيرة يُضفى عليها شلاّلا من السّحر، وأحسستُ نسائم الغروب تسري لطيفة مُعطّرة بعبير الأعشاب الطّريّة والرّياحين العطرة، تُنعشُ القلب وتبعث فيّ النّشوة والسّعادة. عندما بدأ الظلام يمتدُّ وينبسطُ على المكان، أخذتُ طريق العودة وفي نفسي سرور عظيم، وارتياح ونشوة لا توصف. إنّ الطّبيعة لَهِيَ الفضاء الرّحب الذي يتأمّل فيه الإنسان آياتِ عظمة الله فيقدّسه و يزداد قلبه يقينا بوجود خالق لهذا الجمال ، و يجد فيه ما يبحث عنه من طمأنينة وسكينة تغمر القلب سرورا، وتفعم النّفس ابتهاجا وأملا..