أفل الشّتاء بزمهريره القارس و حلّ فصل الرّبيع، فصل البهاء و الجمال فأشرق نور الشّمس الوضـّاء و صفت السّماء و نزعت عنها نقاب الغيوم، غرّدت الأطيار أعذب الألحان و أورقت الأشجار و اخضرّت الأعشاب و تفتـّحت الأزهــــــــــــــــــــــــــار فعطـّرت الفضاء بطِيب شذاها و كُسيت الأرض حُلّة ناعمة .
قصدت مريم الحديقة لتتمتّع بجمال الطّبيعة و تقطف أزهارا ملوّنة لصديقتها مهى. كانت منهمكة في الغناء و فجأة وقع ما في الحسبان ، سقط عصفور صغير يكسو جسمه زغب أصفر على أديم الأرض ، أبصرته أمــّه فطفقت ترسل زقزقات حادّة كأنـّها تستغيث و تطلب النّجدة . لمحت البنيّة ما جرى للعصفور المسكين الذي جعل يتخبـّط على أديم الأرض و بسرعة جثت على ركبتيها و حملته بين راحتيها الرّقيقتين و مسحت ريشه بلطف ثم عادت إلى المنزل فضمـّدت له جرحه و وضعته في قفص فضّي آية في الرّوعة و الجمال .في المساء دخلت أمّ العصافير من النّافذة تحمل في منقارها يرقة لتزقـّها لصغيرها في غفلة عن مرأى صاحبة المنزل ،كانت العصفورة فرحة بنجاة صغيرها و لكن سريعا ما نغّص فرحتها دخول القطّة المشاكسة إلى الغرفة فتبدّل اطمئنانها خوفا و هلعا على سلامة صغيرها . أخذت الأمّ تدافع عن فرخها فتنقر القطّة على رأسها ثم تطير بسرعة إلى أعلى الغرفة و تعيد الكرّة وهي ترسل زقزقات الخوف و الذّعر و القطّة تحاول الوصول الى الفرخ الصّغير .
سمعت مريم الجلبة فدخلت إلى غرفتها و راعها منظر القطـّة مكشـّرة عن أنيابها الحادّة تحاول أكل العصفور المسكين. صرخت البنيّة في وجه قطـّتها مقطـّبة الجبين " اتركي القفص حالا يا ميمي، هيا اخرجي من الغرفة.. أنت لا تشبعين أبدا " فخرجت القطّة كئيبة تجرّ أذيال الخيبة. قرّرت الفتاة أن تُرجع العصفور الى وكره فأحضرت معها سلـّما متينا وتسلّقت الشّجرة وأعادت الفرخ إلى عشّه بين أحضان إخوته. فرحت أمـّه و أخذت تحوم حولها كأنـّها تشكرها.
أصبحت مريم تتردّد على الحديقة تلقي بحبّات القمح و فتات الخبز تحت الشّجرة فتلتقطه الأمّ و تطعمه لصغارها حتى اشتدّ عود العصافير فملأت الفضاء بزقزقتها العذبة.