ذات صبح أضاء نوره ، أفاق سليم بكرة منشرح الصدر و فتح المذياع لسماع موجات الأثير، فسمع المذيعة قائلة بأن غدا عيد الأمهات.
بهذه المناسبة قرر سليم مفاجأة جدّته بصنع إطار مزخرف لصورة جدّه الذي فارق الحياة منذ مدة قصيرة و قبل أن يبدأ أخذ الصورة إلى ورشة أبيه و شرع في إعداد أدوات العمل من خشب و مسامير و مطرقة و غراء و منشار و قلم رصاص. و قبل أن يقصّ الخشب رسم تخطيطا للإطار و بعدها أقبل على الخشبات ينشرها تارة بالمنشار و ينجرها طورا بالمنجر مثلما يفعل النجار المحترف و أخرى يطرق المسامير بالمطرقة و أخرى يلصقها بالغراء فإذا هو يتحول تدريجيا إلى إطار قائلا في نفسه : " ما أطيب العرق الذي يتصبب من جبيني فأمسحه مثلما يفعل الفلاح في حقله و العامل في معمله." انشغل سليم الولد الصبور بعمله ساعات عديدة و أخيرا لاحت على وجهه علامات الانتصار. لقد نجح في عمله بعد أن دهن الإطار و وضعه يتجفف.
و من الغد حين أرسلت الشمس أول نبرات شعاعها. أفاق سليم متجها نحو جدته القابعة في غرفة الجلوس و قدم لها الصورة فتحسستها بأناملها ثم نظرت إليه نظرة مليئة بالبهجة و قالت بصوت مرتعش :"سلمت يداك الصغيرة لقد بذلت جهدا كبيرا يا عزيزي، فما أروع ما تلمحه عيناي." فرد سليم :" عفوا يا جدتي هذا أبسط شيء أقدمه لك." و بينما هما كذلك دخل الأب و أردف قائلا بثغر باسم :"أحسنت صنعا يا بني هنيئا لي بولد متقد الذكاء و الفطنة مثلك. لله در هذا الفتى.