أحسـّت منى بالضـّجر بعد يوم مثقل بالدّروس فلم تجد سوى المذياع ملاذا لعلـّها تنسى متاعب الدّراسة ويستعيد عقلها طاقته.
فتحت منى المذياع لسماع برنامج الأطفال ولكن يال الأسف، لقد اكتشفت أنه معطـّب. أطرقت برهة تفكّر ثم عزمت على إصلاحه، ومن حينها أخذته إلى ورشة أبيها وأخرجت كتيـّبا يشرح كيفية إصلاح العطب. كانت تقلـّب المذياع تارة وتقارن بين نوعه وبين الأنواع الموجودة في الكتاب، وقبل أن تفكّكـ قطع المذياع وتكشف سبب عطبه شدّت الأسلاك بكل حذر مثلما يفعل والدها بعد أن عرفت أن سبب العطل هو انقطاع أحد الأسلاكـ ثم راحت تركـّب قطع المذياع المبعثرة بالمفكّ.
استغرقت البنت الذّكيّة وقتا طويلا وهي قابعة أمام الطّاولة منشغلة بما في يديها. أخيرا لاحت على وجه البنيـّة ابتسامة الانتصار بعد أن أدارت الزرّ و انبعث منه صوت أغنية عذبة . تناهى إلى مسمع الأمّ صرخة الانتصار التي اطلقتها ابنتها فحثـّت الخطى نحو الورشة لاكتشاف الأمر و ما إن دخلت حتى فوجئت بصغيرتها تمسك المذياع و الفرحة تملأ عينيها و تشعّ من وجهها ، إنّها فرحة الانجاز . لقد نجحت بإصلاح العطل بمفردها. عنقت الأمّ ابنتها و شكرتها .
عند عودة الأب من العمل أعلمته بالخبر . اغرورقت عيناه بدموع الفرح و طفحت بشرا وخاطب ابنته و في نبرات صوته علامات الشكر :" لله درّك يا بنيـّتي ، إنّك فتاة ماهرة ، لا تستسلم للمشاكل التي تعترضك ، اريدك دائما قويّة هكذا ، حماك الله يا بنيـّتي و دمت لي خير سند، أنصحك فقط بالحيط و الحذر " عندئذ لمعت دموع الفرح في مآقي البنت و أحســّت بنخوة لا توصف .
فعلا " من جدّ وجد و من زرع حصد" !