استيقظت نور من نومها شاعرة بفيض من السعادة فتناولت فطورها وارتدت ميدعتها و رتّبت أدواتها في المحفظة ثم انطلقت الى المدرسة.
عند انتهاء الدّروس، عادت الى البيت متعبة فولجت غرفتها وأخذت دميتها النّاطقة وانزوت الصّغيرة في غرفتها المزدانة بالصّور الاخّاذة طلبا للرّاحة وترفيها عن النّفس. ضغطت نور على زرّ التشغيل فانبعثت من الدّمية الصّغيرة ألحان عذبة ثمّ أدارت زرّا آخر تبحث عن اغنيتها المفضّلة التي ترسلها الدّمية وهي ترقص فتشعر البنيّة بالفرحة و الأنس . تناهى إلى مسمع نور أغنيات شجيّة فطفقت البنت تنصت بآذان صاغية، وبين الفينة والأخرى تردّد النغمات التي علقت بذاكرتها في زهو و حبور و تارة أخرى تبدأ بالرّقص و قد كست الابتسامة محيّاها. انتشى قلب البنيّة فرحا وتهلــّل وجهها بشرا وانبسطت أساريرها. قضت البنت وقتا ممتعا نسيت فيه متاعب يومها.
و بينما كانت نور في غمرة من السّعادة، وقع ما لم يكن في الحسبان، إذ تعطـّبت الدّمية و أصدرت خشخشة و توقـّفت عن الغناء و الرّقص . قطـّبت البنت جبينها في حيرة واستغراب وطفق وجهها يتأرجح انبساطا وانقباضا وأسفت أسفا شديدا. ظلـّت الفتاة مدهوشة واجمة لبعض الوقت لا تنبس ببنت شفة، ثم استجمعت شتات أفكارها وقالت بعزم:" عليّ أن أصلح دميتي المفضّلة ، إنّها هديّة من جدّتي الغالية رحمها الله ..... وسوف أثبت براعتي في هذا المجال "
جلست نور إلى مكتبها وأخذت مفكّـ البراغي ورفعت الغطاء عن الدّمية، و بعثرت أسلاكها حتى توصّلت إلى مصدر العطب، فشرعت تركــّب القطع المبعثرة ببراعة مثلما يفعل والدها في ورشته. ثم ضغطت نور على الزرّ لكنه للأسف لم يشتغل.
أطرقت تفكّر و بعد بحث طويل تيقّنت أنّ البطّارية نفذ شحنها، فقصدت العطّار لاقتناء بطاريتين جديدتين. وعندما رجعت الى المنزل وضعت البطّاريتين في مكانهما المعهود، ثم ضغطت على الزرّ فكانت المفاجأة سارة!
صاحت البنت وقد ارتسمت على ثغرها ابتسامة النّصر:" وأخيراً عادت دميتي للغناء من جديد ".
وفي تلك الأثناء دلفت الأم الغرفة فأعلمتها نور بما جرى. نظرت الأم إلى فلذة كبدها بعين ملأها الاعجاب وقالت مبتسمة ": سلمت يداك يا حبيبتي يا لك من فتاة ماهرة، أنا على ثقة أنّه سيكون لك شأن عظيم في المستقبل " فأجابتها نور:" شكراً يا أمي الفضل يعود لأبي ".