انتشر الرّبيع في كل مكان فكسا الأرض بردائه المزركش و ماجت الحقول بالأزهار و تفتحّت و ملأت الجو عبيرا فارتدت النباتات المختلفة حلّة من الأوراق الفتيّة و رقصت الفراشات و بنت العصافير أعشاشها على رؤوس الأشجار .
في هذا الجوّ البديع قرّرتُ الخروج في نزهة صُحبة ثُلّة من رفاقي. و ما إن بدأت شمس الصباح تستيقظ من نومها و علت في السماء قليلا فاردة أشرعة نورها حتّى حزمنا أمتعتنا من بساط و طعام و مشروبات و قصدنا الغابة. كنّا طوال الطّريق ننشد ما درسنا من أغاني و أناشيد و نصفّق و نتسابق في حبور و فرح غامر.
ما هي إلاّ ساعة حتّى وصلنا إلى المكان فإذا هو روضة غنّاء تكسو أرضها أعشاب خضراء كأنّها زربيّة مُتقنة الصُّنع و انتشرت الأزهار الفوّاحة التي تُدغدغ الأنوف و تهزّ النُّفوس فتجعلك تتمايلُ من النّشوة و بدت السّماء كعين طفل صفاء تُغطّيها العصافير المُغرّدة و تخالُها في عُرس أو مهرجان من الألحان و ما ألحانها إلاّ فيضان ما في قلوبها من الغبطة بالوجود.
فرشنا البساط المزركش و اقتعدنا مكانا تحت شجرة وارفة الضّلال مزدانة بالثّمار كأنّها فوانيس أوقدت في إحدى المناسبات ثم انتشرنا في الطّبيعة نمرح و نلهو و نلاحق الطّيور و نصطاد الفراشات.
ملأنا صدورنا هواء نقيّا و جرى الدّم في عروقنا و تورّدت خدودنا.
جلسنا نستريح ونأكل ما خفّ من الطّعام. فجأة استيقظنا من نشوتنا على مشهد مزعج : ثلّة من الصّغار ينقضّون على الأزهار فيكسرون سيقانها و ينزعونها نزعا و آخرون يأكلون قطعا من المرطّبات و يشربون قنينة عصير و يلقون بالعلب و القوارير هنا و هناك. أحسسنا بالغضب يسري في عروقنا .
اتّجهنا إلى أكبرهم قائلين : هذه الأزهار يا صديقنا خلقها الرّحمان هبة لجميع البشر لتتمتّع بها جميع العيون و تستنشق أريجها أنوف كل المتنزّهين .. أمّا هذه العلب و القوارير التي بعثرتموها هنا و هناك فهي تفسد صحّة الطّبيعة و تلوّث جمالها". أبدى الاطفال أسفهم و خجلوا ممّا اقترفت أيديهم و قالوا : " الحقّ معكم يا إخوتي لن نكرّر هذا ما حيينا ، فعلا لم ننتبه الى سلوكنا السّيء هذا الاّ عندما نبّهتمونا لذلك فعذرا."
أمضينا ساعات في المرح مرّت كأنها ثواني ثم بدأت الشمس تغيب في الأفق. لقد حان وقت العودة...