عندما قمت بزيارة جدّي في ضيعته، أهداني خروفا أبيض الصّوف لديه في رأسه بقعة سوداء تميّزه عن غيره وقرونه صلبة حادة. نشأت بيني وبينه علاقة متينة إذ لا أغيب عنه إلا وقت الدّرس أو النوم.
كنت استيقظ كل صباح و أقوم بإطعامه عشبا طريّــــا أجمعه بيديّ وماء صافيا . و في صبيحة أحد الأيّـــــــــام ذهبت إلى الحديقة المجاورة لجلب بعض العشب، فربطت صديقي في جذع شجرة مورقة وارفة الظّلال علّـــه يسدّ رمقه بالأوراق المتدلّـــــية و يسلّي نفسه بمضغ بعض الأزهار العطرة من حوله .
عند عودتي ذهلت لما شاهدت، إذ لم أجد صديقي في المكان فارتسمت علامات الحيرة على محيّاي وصرت أغوص في بحر من الأفكار المتلاطمة خوفا على حيواني المسكين فهو لا يعرف طريق العودة و لا يمكنني الوثوق بأيادي الصّغار العابثة التي قد تؤذيه أو تهدّد سلامته.
انطلقت أعدو كالسّهم المارق بحثا عن خروفي و جعلت أمرّ من مكان لآخر و لم يسلم أيّ مكان من بحثي و لكن دون جدوى. وبينما أنا غارق في التّفكير إذ مرّ صديقي وطلب منّـي بكل لطف أن يقدّم لي يد المساعدة فانطلقنا من جديد في البحث عنه، وراء الشجرة، تحت المقعد، في الزقاق الضّيق .. لم نترك مكانا إلا و بحثنا عنه فيه ولكن باءت كل محاولاتنا بالفشل الذريع و بدأت أشكّ " لا بدّ أن أحدا قد سرق صديقي العزيز و جعل منه الآن طعاما دسما " ذعرت و أنا أتخيّل أنّ خروفي قد ذُبح و سُلخَ و صار جاهزا للأكل.
... نال منّي اليأس فقفلت راجعا إلى البيت أجرّ أذيال الخيبة و و لجت غرفتي وقد انتابني ألم وحزن شديدين فأخذني النّعاس ورحت أغطّ في نوم عميق لم استفق منه إلا على صوت جارتي تطلب النجدة قائلة" يا ويلي لقد داهم كبش مطبخي وحطّــم كل الأواني"..