كان النّهار جميلا مُضيئا ، الشّمس تبزغ في ثوب برتقالي من خلف الأبنية و المآذن البيضاء، و السّماء مُزدانة بقطع من السّحب الرقيقة كأنها قطعان من الخرفان البيض ترتع في المروج الخضراء... اغتنمتُ الفرصة و خرجت صحبة شقيقي الصّغير إلى النّهر القريب لصيد السّمك فقد كانت تلك الهواية المفضّلة لأطفال قريتي الساحليّة و كانت تلك الفرصة الأولى لأخي الصّغير كي يرى و يتعلّم كيفيّة صيد السّمك .
وصلنا الشّاطئ المزدحم بالصّيادين الصّغار فرميت الشصّ مباشرة بعد أن وضعت فيه الطّعم وبقيت أترقّب... بعد برهة، أحسست بجذبة خفيفة وأنا أمسك خيط الصّنارة بين أصابعي...
تلاحقت دقّات قلبي وجعلتُ أحملقُ بعينيّ في الماء وفي خيط الصّنارة الغاطس وبادرتُ على الفور إلى الخيط أجذبه. يا للمفاجأة السّارة، إنّها سمكة كبيرة رائعة الجمال، إنّني أراها بكلّ وضوح، يمكن أن أنظر إلى عينيها اللامعتين كالعقيق و لونها الذي يشبه لون سحابة في السماء و ذيلها... هذا الذّيل الجميل. حملتُ السمكة بين يديّ وهي تتخبّط و تتخبّط محاولة التملّص و الرّجوع الى المياه و أنا أمسكها بكلّ قوّتي حتّى لا تنزلق منّي.. و فجأة توقّفت عن الحركة . صرخ أخي :" ماتت السمكة .. لقد ماتت ... لماذا فعلت هذا يا أخي ؟ .
حزن أخي وظهرت الدّموع البريئة في عينيه. تأسّفت لهذا الموقف ثم حاولت أن أشرح له الأمر:
- الأسماك حيوانات تعيش في الماء وتتنفّس الهواء المنحلّ فيه بواسطة الخياشيم فيدخل من فمها ويمرّ بالغلاصم. ولهذا السبب فهي تموت فور خروجها من الماء.
نظر أخي اليّ وفهمت أنّه لم يقتنع بكلامي أو أنّ هذا التحليل العلميّ لم يكن يهمّه كثيرا فأضفت:
- لا تحزن، المرّة القادمة سوف أصطاد لك سمكة وأضعها في البوقال حال إخراجها من الماء وعليك أن تعتني بها حتى تكبر.
فابتسم راضيا على ما قلت له وشكرني والدّموع لم تجفّ بعدُ من عينيه.