كان النهار في صولة شبابه ، فقد توسـّطت الشمس كبد السماء و أرسلت بأشعـّتها وهــّاجة ملتهبة لفحت الوجوه و الرّقاب و كأنـّها أبواب جهنـّم فتحت على مصراعيها هروبا من هذا القيظ المملّ ، هرعت بمعيـّة أسرتي إلى شاطئ البحر علــّنا نظفر ببعض النسيمات المنعشة و ما إن وصلنا حتى ألفينا الشاطئ يعجّ بالمصطافين حيث كان الماء في البحر أزرق صافيا يحاكي زرقة السماء و صفاء البلور يغريك لمعانقة أمواجه المتلاطمة ، و في الحين اقتعدت مكانا ظليلا نجول ببصرنا في كلّ الأرجاء و فجأة علت صيحة مفزعة تسارعت لها دقات قلوبنا فانتفضنا من أماكننا مذعورين آملين خيرا ، اندفع أبي نحو البحر و ارتمى يسابق الأمواج تحدوه عزيمة على إنقاذ الغريق الذي تلاعبت به الأمواج أيــّما تلاعب و تقاذفته ذات اليمين و ذات الشمال إلا هنيهة من الزمن حتى تمكـّن والدي من جذب الغريق إلى اليابسة فتنفست أمه الصعداء و قالت و في نبرات صوتها شكر و اعتراف بالجميل :" جزاك الله خيرا و حماك فنعم البطل الفذّ أنت حقّا إنّ ما فعلته لمضرب للأمثال"
أمـّا أنا ترقرقت عيناي دموعا و ارتميت في أحضان والدي أقبــّله أينما اتـّفق لي و قبـّلني .