كان الربيع يتهادى في حلّــــــته الخضراء المغطّــــاة بالأزهار التي ينبعث منها شذى لينٌ ، اغتنمت مريم جمال الطقس وخرجت لزيارة جدّتها العجوز، فتناهى إلى مسمعها مواءٌ خافت يدمي نياط القلب، التفت إلى مصدر الصّوت فإذا بها قطّـــةٌ شريدة، وجهها مستديرٌ ، لها فرو ناعمٌ طويلٌ اختلط فيه اللون الأبيض الناصع والأسود الحالك و لها ذيل رخو طويل.
كانت القطّة تنظر إلى البنيّة وكأنّها تستنجد وتستعطف . ولمّا اقتربت منها وجدتها تنزف دما. رقّ قلبها لحالها فانحنت تلاطفها فاستجابت القطة لمداعبتها واستسلمت للمساتها وشعرت ببعض الاطمئنان وكفــّــت عن المواء. احتضنتها مريم كما تحتضن الأمّ الرّؤوم رضيعها وعادت بها إلى المنزل وبدأت بتنظيف الجرح وتضميده ثم وضعت لها حليباً شهيّاً وخبزاً طريّاً فأقبلت على الخبز تزدرده وعلى اللّبن تلعقه إلى أن شبعت وارتوت وفي ركنٍ من الحديقة منعزل ضليل ، وضعت مريم صندوقاً من خشب في شكل بيت مسقوف ليكون مأوى لها و تعاطفت أمها مع القطّة المسكينة فصنعت لها فراشاً دافئاً من بعض الخرق القديمة.
نظرت القطّة إلى صديقتها مريم نظرة عميقة وكأنّها تشكرها و تحوّلت عيونها الخائفة الى عيون تشعّان دفئا وحنانا و طمأنينة .ومضت الأيّام فتدرّجت نحو العافية ودبّت الحياة في أوصالها من جديد فازدادت جمالاً وصحّة .
"ما أجمل الصّداقة مع القلوب الطّيبة الصّافية! "