توجّهتُ إلى دكـّان السّيد مبروك لأكتشف كيفيّــــــــة صنع التُّــــــحف الخزفيّة ، وصلتُ فإذا بقطع منها قد تكدّست في زاوية و الأخرى وُضعت على الرّفوف .
كنت أنظر بإعجاب إلى العمّ مبروك وهو يرتدي مئزرا صوفيّا أزرق اللون و كان وجهه يوحي بالعزيمة و الجلد و الصّبر. في بداية الأمر ، أمسك بذراعيه القويّتين مطرقة من الحديد و انهال على قطع الطّــــــين اليابس يكسّرها و يسقيها ماء دافئا ثم حوّلها إلى عجينة طريّة و حين انتهى قفز وراء دولابه و تربّع ثم شرع في العمل .. كنت سعيدا لأنّني سأشهد ولادة تحفة جديدة على يديه.
حرّك العمّ مبروك آلته برجله وأدارها ثم تناول كتلة من الطّـــــين المعجون و أخذ يلامسها بيديه و الآلة تدور بانتظام.
كانت حبّات العرق تتصبّب من جبينه من حين إلى آخر فيمسحها بكمّ قميصه مواصلا عمله بكلّ صبر و انغماس فيه، لكأنّه في حوار مع قطعة الطّين في يده، حوار لا يفهمه غيرهما ، ثمّ عمد إلى سكّين و أبرز بعض ملامح التّحفة بكلّ خفّة و رشاقة، و إذا بكتلة الطّين قد تشكـّلت شيئا فشيئا و أصبحت مزهريّة ساحرة ثم أخذ خيطا رفيعا فصل به الآنية عن قاعدتها و رفعها بيديه الحذرتين و وضعها بجانبه و عندما جفّت أدخلها الفرن لإنضاجها . بعد سويعات معدودة أخرجها بكلّ حذر و النّار تحرق أصابعه فلا يأبه بها . كانت المزهرية آية في الإبداع الفنّي و روعة في الجمال فقام بطلائها بألوان زاهية فزاد حسنها إشراقا .
و عند مغادرتي أصرّ العمّ مبروك أن آخذها فقبلت شرط أن أدفع ثمنها .
" ما أجمل مزهريّتي، إنّها تسحر العين وتسبي الألباب وما أروع عمل الخزّاف، لكم أعجبني وأذهلني ".